صدق أو لا تصدق مش مهم..
الكلاب تخير الأطفال إما اللعب أو العض!!
لم أكد أصدق عيناي وأنا أرى هذا المشهد الذي من المستحيل أن تصادفه إلا في مصر، فخلال مروري بأحد الشوارع شاهدت طفلا لا يتعدى الثامنة وقد قفز عليه كلب كبير من تلك التي تنتشر بالمئات في ربوع المحروسة.
وما أن رأيت هذا المشهد المرعب إلا وحاولت وأنا في قمة ذعري صرف هذا الكلب "الأنثى" عن الطفل لعلي أدرأ الخطر عنه إلا أنني فوجئت ببرود أعصاب الطفل الذي أحرجني بهدوء أعصابه ورباطة جأشه قائلا لي لا تخف علي فأنا "متعود" على هذا.
وهنا كاد عقلي يطير مني فمارست فضولي المقيت في معرفة حيثيات هذا التعود، فسمعت ما لم أتوقع سماعه، حيث أبلغني الطفل أن هذه الكلاب باتت أمرا واقعا لا بديل عنه، حيث تصعد لنا إلى الشقق وتدق علينا الأبواب فنحسبها زائرا ولكننا سرعان ما نكتشف الحقيقة، وعلينا إما أن نطعمه أو نتحمل أذاه.
ويكمل الطفل، وحين ننزل لشراء احتياجات المنزل تصر هذه الكلاب على اصطحابنا ذهابا ومجيئا والأمر لا يخلو من اللعب معهم والاستجابة لرغباتهم في التنطيط على أذرعنا وأكتافنا، وهنا قفز سؤال متسرع مني، وهل لا تشعرون بالخوف منهم، فبادرني مدرب الكلاب يا أستاذ إحنا بنحس إنهم مثل إخوتنا!!!.
وحين تطفلت عليه بالسؤال الأخير طيب وإذا لم تستجب لرغبته في اللعب ماذا يحدث، فرد الطفل بعينيه قبل لسانه وفهمت طبعا المصير المحتوم لرفض هذه الرغبات أو قل النزوات.
و تنتشر ظاهرة كلاب الشوارع بصورة غير مسبوقة في العاصمة المصرية القاهرة حيث تسير هذه الكلاب في صورة قوافل في وضح النهار على عكس المتعارف عليه سابقا من ظهورها ليلا.
المثير للدهشة أيضا أن هذه الكلاب لم تعد تسير فرادى، بل في شكل جماعات وكأنها تريد توصيل رسالة مفادها: "الشارع شارعنا وعلى المتضرر اللجوء للمحافظة"، وتفرض بذلك حظر تجول على بعض المناطق التي يخشى سكانها من "بطش" هذه الكلاب، خصوصا مع تكرار حوادث مهاجمة المارة وعقر الأطفال.
وتبدو المسألة أكثر خطورة بسبب الظلام الدامس الذي يخيم على أكثر الشوارع بعد المغرب، حيث اعتادت هذه الكلاب على عقر الأطفال وإحداث عاهات بأجسامهم دون أن تتحرك الأجهزة التنفيذية لإيجاد حل لهذه المشكلة.
وتتعدى خطورة انتشار الكلاب بهذه الصورة إلى صعود المنازل، فبمجرد أن يترك أحد السكان باب المنزل مفتوحا تسارع هذه القوافل لمداهمة المنزل للتفتيش عن أي شيء يمكن التهامه سواء في صفائح القمامة أو حتى مهاجمة ربات البيوت بحثا عن الطعام.
هذا طبعا بخلاف الذعر الذي تثيره في نفوس الأطفال ليلا بنباحها الجماعي الذي يكاد يخرق الجدران ولا يستطيع أحد مواجهتهم، مما يضطر الأهالي لتكوين ميليشيات مسلحة لتفريق هذه الكلاب وباتت بروتوكولات دفاع مشترك تعقد بين سكان المنازل المتجاورة بشأن الانتفاض في وجه هذه الهجمة الشرسة، خصوصا بعدما فقد المواطنون الأمل في تحرك المحليات.
ومع كامل تقديرنا لحقوق هذه الحيوانات في البحث عن لقمة العيش خصوصا في ظل الظروف القاسية التي جعلت توفير المأكل والمشرب للبشر أنفسهم مهمة شبه مستحيلة، فإننا أيضا ندق ناقوس الخطر إلى ما تنطوي عليه مسألة انتشار الكلاب الضالة بهذه الصورة المفزعة، خصوصا مع الأضرار الصحية الجسيمة التي تسببها هذه الكلاب.